عشية الاجتماع المنتظر لمجموعة "أصدقاء سوريا" في مراكش، صدر عن واشنطن قراران هامّان..الأول ويقضي بالاعتراف بالائتلاف الوطني السوري كممثل شرعي للشعب السوري، أما الثاني فيُدرج "جبهة النصرة" في عِداد القائمة السوداء للمنظمات الإرهابية. وأحسب أن القرارين جاءا متلازمين، وما كان للأول أن يصدر قبل أن يُمَهَّد له بالثاني.
في تفسيرها لإدراج "النصرة" في قوائمها السوداء، تحدثت واشنطن عن "صلات قوية" لها مع القاعدة، خصوصاً في العراق، ولفتت إلى 600 تفجير إرهابي نفذتها هذه المنظمة في سوريا خلال عام تقريباً، من بينها 450 هجوم انتحاري، لا ندري كم منها استهدف مدنيين وكم منها استهدف قوات النظام ومؤسسات ورموزه وأجهزته، كما لا ندري حجم الخسائر التي ترتبت عليها في هذه الميادين كافة.
واشنطن التي اقتربت خطوة مهمة من المعارضة السورية ممثلة في الائتلاف الجديد، كانت أشد حرصاً عدم إضاعة بوصلة حربها على الإرهاب. فهي لن تدفع قرشاً واحداً أو تسلم طلقة سلاح واحدة، يمكن أن تصل إلى "الأيدي الخطأ". بيد أنها لا تمانع، أو لا تمانع بقوة، إن فعل "آخرون" ذلك. ولدى الدوائر الأمنية والاستخبارية من المعلومات، ما يؤكد حصول هذه التنظيمات المتطرفة على دعم وتسهيلات مالية وعسكرية ولوجستية، يتناوب على تقديمها محور يمتد من الرياض إلى أنقرة، مروراً بالدوحة طبعاً.
من حيث "الحجم والأعداد والأرقام"، ليست النصرة عاموداً فقرياً للمعارضة السورية المسلحة..لكن من حيث الفاعلية، فإنها تلعب دور "القوة الطليعية المقاتلة"، أو "رأس حربة" المعارضة، أقله في مناطق حلب وإدلب وأريافهما، وقد تزامن صدور القرار الأمريكي، مع نجاح "النصرة" في السيطرة على واحد من أهم المواقع العسكرية الاستراتيجية للجيش السوري في المنطقة، ثكنة الشيخ سليمان.
والغريب في الأمر، أنه في الوقت الذي يتحدث فيه العالم بأسره، عن "اختراق" مهم تحققه القاعدة وأخواتها في أوساط المعارضة السورية (بمن فيها وحدات وكتائب للجيش الحر)، فإن المعارضة نفسها، ومعها بعض داعميها العرب والإقليميين، ما زالوا يعيشون "حالة إنكار" حقيقية، فهذا "رئيس الأركان السوري الجديد" العميد سليم إدريس ينفي وجود "إرهابيين" في صفوف المعارضة، ومن قبله دأب المجلس الوطني السوري على فعل ذلك، فيما الإعلام الخليجي "إياه" يكاد يدير ظهره لكل هذه المعطيات.
"المتذاكون" من المعارضة، يظهرون "واقعية" أفضل في التعامل مع هذا التحدي. هم يعترفون بأن "القاعدة" موجودة بقوة، ولكنهم يؤكدون أنهم سيتخلصون منها ما أن يتخلصوا من الأسد ونظامه. لكأن القاعدة جاءت إلى سوريا بدعوة رسمية منهم، لتخرج منها بدعوة رسمية مماثلة. أي حمق هذا؟
بخلاف ما كانت تنتظر واشنطن وتتوقع، فقد جاءت ردود أفعال بعض المعارضة معاكسة تماماً لما تشتهيه الإدارة الأمريكية. خلال يوم واحد، انضم أكثر من 20 ألف "معجب" إلى صفحة على الفيسبوك تحمل اسم "كلنا جبهة نصرة". وسوف تحمل تظاهرات الجمعة المقبل في عدد من المناطق السورية، الاسم ذاته، وأبدت فصائل مسلحة عديدة، على صلة قرابة فكرية وإيديولوجية مع "النصرة" عن تضامن أكيد من "الجبهة"، إن من منطلق التضامن "الجهادي" أو عملاً بالحكمة القديمة "أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض". في حين عبر ناشطون سوريون عن اعتقادهم بأن النصرة ليست الأشد خبرة وصلابة في المعارك فحسب، بل والأقل فساداً من بين كثير من صنوف المعارضة وفصائلها.
على أية حال، لا يبدو أن القرار الأمريكي سوف يرتد بعواقب وخيمة على "النصرة" وشقيقاتها في سوريا، فالأرجح أن هؤلاء لا يحتفظون بأرصدة في الولايات المتحدة، ولا هم ممن يصطفون بالطابور سعياً وراء "فيزا" للزيارة أو الهجرة إليها. ولن تعدم هذه المجموعات وسيلة لإدامة دفق المال والسلاح والرجال إلى معسكراتها وخنادقها، سيما وأن هناك داعمين عرب وإقليميين، لا تنتابهم الحساسية التي تنتاب واشنطن حين يؤتى على ذكر "الجهاد العالمي".
يبقى كيف سينعكس القرار الأمريكي على علاقات الفصائل المسلحة مع بعضها البعض، خصوصاً في مناطق الاحتكاك الأشد سخونة في حلب وإدلب، هل ستشرع المعارضات الأخرى في "نبذ" النصرة ومقاطعتها أو حتى مطاردتها، حتى تتفادى اللائحة الأمريكية السوداء. هل سنشهد ولادة "صحوات عشائرية" في تلك المناطق لتطهيرها من "النصرة وأنصارها"؟. هل سيبقى الحال على ما هو عليه، وكيف سيكون موقف واشنطن، وهي ترى فصائل من المعارضة، من صنف "الممثل الشرعي" تقيم أوثق علاقات التعاون الميداني مع "النصرة"؟. ألم يقل رئيس الأركان الجديد بأن ليس في صفوفنا "إرهابيين"، هي كان يعني أن "النصرة" غير موجودة وغير محسوبة على المعارضة، أم أنه كان مصراً على تصنيفها كحركة جهادية مشروعة، ومكوّن من مكونات "الممثل الشرعي" الجديد للشعب السوري؟. أسئلة وتساؤلات لن يجد المجتمعون في مراكش الوقت الكافي للإجابة عليها.
[ينشر بالاتفاق مع الكاتب عن جريدة "الدستور" الأردنية]